سورة البقرة - تفسير أيسر التفاسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)}
{دَرَجَاتٍ} {وَآتَيْنَا} {البينات} {وَأَيَّدْنَاهُ} {البينات} {آمَنَ}
(253)- يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى أنَّ الرُّسُلَ الذِينَ ذَكَرَهُم قَدْ فَضَّلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي مَرَاتِبِ الكَمَالِ وَالشَّرَفِ، فَخَصَّ بَعْضَهُمْ بِمَآثِرَ جَلِيلةٍ خَلا عَنْها غَيْرُهُ مَعَ اسْتِوائِهِمْ جَمِيعاً فِي اخْتِيارِهِ تَعَالَى لإِبْلاغِ رِسَالَتِهِ، وَهدايَةِ خَلْقِهِ. فَمِنْهُم مُوسَى الذِي كَلَّمَهُ اللهُ مِنْ غَيْرِ سَفِيرٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ رَفَعَهُ اللهُ مَرَاتِبَ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الرُّسُلِ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَيُؤَيِّدُهُ السِّيَاقُ أيْضاً. وَمِنْ هذِهِ الدَّرَجَاتِ مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأخْلاقِهِ الشَرِيفَةِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِكِتَابِهِ وَشَرِيعَتِهِ {إِنَّ هذا القرآن يهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}، وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُؤْتَ مِنَ المُعْجِزَاتِ أَعْظَمَ مِنَ مُعْجِزَةِ القُرآنِ.
وَمِنْهَا مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأمَّتِهِ الذِينَ اتَّبَعُوهُ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بالمعروف وَتَنْهَوْنَ عَنِ المنكر} {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس} وَرُوِيَ عَن الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ: «فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِياءِ بِسِتٍّ: أوتِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وَجُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً، وَأرْسِلْتُ إلى الخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ».
وَفَضَّلَ اللهُ تَعَالَى عَيسَى عَلَيهِ السَّلامُ بِأنْ آتَاهُ البَيِّنَاتِ (وَهِيَ مَا يُتََبَيَّنُ بِهِ الحَقُّ مِنَ الآيَاتِ وَالدَّلائِلِ)، وَأيَدَّهُ بِرُوحِ القُدْسِ، (وَهُوَ جِبْرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ) وَقَدْ خَصَّ اللهُ عِيسَى بِإيْتَاءِ البَيِّنَاتِ تَقْبِيحاً لإِفْرَاطِ اليَهُودِ فِي تَكْذِيبِهِ وَانْتِقَاصِهِ، وَلإِفْراطِ النَّصَارَى فِي تَعْظِيمِهِ حَتَّى أَخْرَجُوهُ مِنْ مَرْتَبَةِ الرِّسَالَةِ إلى مَرْتَبَةِ الأُلُوهِيَّةِ.
وَكَانَ مِنْ مُقْتَضَى ذَلِكَ أنْ يُؤْمِنَ النَّاسُ جَمِيعاً، وَألا يَخْتَلِفُوا وَلا يَقْتَتِلُوا. وَلَوْ شَاءَ اللهُ أَلا يَقْتتِلَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الرُّسُلُ بِالآيَاتِ الوَاضِحَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الحَقِّ، لَمَا حَدَثَ اقْتِتَالٌ وَلا اخْتِلافٌ. وَلَكِنْ لَمْ يَشَأِ اللهُ ذَلِكَ، وَلِهَذَا اخْتَلَفُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ.
وَقَدْ نَهَى اللهُ تَعَالَى المُسْلِمينَ عَنِ الاخْتِلافِ وَالتَّفَرُّقِ، وَأمَرَهُمْ بِالاتِّحَادِ وَالوِئَامِ، فَامْتَثَلُوا أمْرَهُ ثُمَّ عَادُوا إلى الاخْتِلافِ. وَلَوْ شَاءَ اللهُ جَمْعَهُمْ عَلَى الحَقِّ، لَفَعَلَ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ لِحِكْمَةٍ لا يُقَدِّرُهَا إلاّ هُوَ.
بِرُوحِ القُدسِ- جِبْرِيلُ، عَلَيهِ السَّلامُ.


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)}
{ياأيها} {آمنوا} {رَزَقْنَاكُم} {شَفَاعَةٌ} {والكافرون} {الظالمون}
(254)- يَأمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِالإِنْفَاقِ مِمَّا رَزَقَهُمْ فِي دَفْعِ زَكَاةِ أَمْوالِهِمْ، وَفِي سَبِيلِ الخَيْرِ فِي الحَيَاةِ الدُّنيا، لِيَكْسِبُوا ثَوَابَ اللهِ وَرِضْوَانَهُ فِي الآخِرَةِ، فَإِذَا جَاؤُوهُ يَوْمَ القِيَامَةِ- وَهُوَ يَوْمٌ لا يَنْفَعُ فِيهِ الإِنْسَانَ إلاّ عَمَلُهُ الصَّالِحُ الطَّيِّبُ فِي الحَيَاةِ الدُّنيا وَلا تَنْفَعُهُ فِيهِ صَدَاقَةٌ وَلا شَفَاعَةُ شفَيعٍ- وَجَدُوا ما أنْفَقُوا عَمَلاً صَالِحاً لَهُمْ يَنْفَعُهُمْ عِنْدَ اللهِ. وَلَيْسَ أَحَدٌ أَكْثَرَ ظُلْماً لِنَفْسِهِ مِمَّنْ يَأتِي اللهَ يَوْمَ القِيَامَةِ كَافراً بِرَبِّهِ، شَحِيحاً بَخِيلاً مُمْتَنِعاً عَنْ دَفْعِ زَكَاةِ مَالِهِ وَعَنِ الإِنْفَاقِ فِي سَبيلِ اللهِ.
لا خُلَّةٌ- لا مَوَدَّةٌ وَلا صَدَاقَةٌ.


{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)}
{السماوات} {يَؤُودُهُ}
(255)- هَذِهِ آيةُ الكُرْسِيِّ، وَلَهَا شَأنٌ عَظِيمٌ، وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى عَشِرْ جُمَلٍ مُسْتَقِلَّةٍ:
اللهُ لا إلهَ إلا هُوَ- وَهُوَ إخْبَارٌ بِأنَّهُ تَعَالَى هُوَ المُتَفَرِّدُ بِالألُوهِيَّةِ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ، وَهُوَ الذِي يَسْتَحِقُّ أنْ يُعبَدَ دُونَ سِوَاهُ.
الحَيُّ القَيُّومُ- الحَيُّ فِي نَفْسِهِ، الذِي لا يَمُوتُ أَبَداً. وَالقَيِّمُ عَلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ القَائِمُ بِتَدْبِيرِ أمْرِ عِبَادِهِ، يَكْلُؤُهُمْ وَيَحْفَظَهمْ وَيَرَعَاهُمْ وَيَرْزُقُهُمْ، وَلا قِوَامَ لِلْمَخْلُوقَاتِ بِدُونِ أمْرِهِ.
لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ- لا يَعْتَرِيهِ نَقْصٌ وَلا غَفْلَةٌ وَلا ذُهُولٌ عَنْ خَلْقِهِ، وَمِنْ تَمَامِ القَيُومَةِ أنْ لا يَعْتَرِيهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ، لأنَّ اعْتِراءَ النُّعَاسِ وَالوَسَن دَليلٌ عَلَى العَجْزِ وَالضُّعْفِ.
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ- وَهُوَ إِخْبَارٌ بِأَنَّ جَمِيعَ مَنْ فِي الكَوْنِ عَبيدٌ لَهُ وَفي مُلْكِهِ وَتَحْتَ قَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَهُوَ المُتَصَرِّفُ بِشُؤونِهِمْ، الحَافِظُ لِوُجُودِهِمْ.
مَنْ ذا الذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بِإذْنِهِ- وَمِنْ عَظَمَتِهِ، جَلَّ شَأْنُهُ وَعَلا، لا يَجْرُؤْ أَحْدٌ عَلَى أنْ يَشْفَعَ لأَحَدٍ عِنْدَهُ إِلا إذا أذِنَ لَهُ بِالشَّفَاعَةِ، وَلا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ بِدُونِ إِذْنِهِ.
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ- وَهذا دَلِيلٌ عَلَى إِحَاطَتِهِ عِلْماً بِكُلِّ شَيءٍ فِي المَاضِي وَالحَاضِرِ وَالمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أُمُورَ الدُّنيا التِي خَلَّفُوهَا، وَأُمُورَ الآخِرَةِ التِي يَسْتَقْبِلُونَها.
وَلا يُحِيطُونَ بِشَيءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ- وَلا يَطَّلِعُ أحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ عَلَى شَيءٍ مِنْ عِلْمِ اللهِ إِلا مَا عَلَّمَهُ اللهُ، وَأطْلَعَهُ عَلَيهِ، وَأذِنَ لَهُ بِهِ. وَلا يُعرف إذْنُهُ تَعَالَى إِلا بِوَحْيٍ مِنْهُ.
وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ- وَالكُرْسِيُّ غَيْرُ العَرْشِ، وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا الْكُرْسِيُّ فِي العَرْشِ إِلا كَحَلَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ أُلْقَيَتْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ فَلاةٍ فِي الأَرْضِ.
وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا- وَلا يُعْجِزُهُ حِفْظُ السَّماوَاتِ وَالأرْضَ وَما فِيهِمَا وَمَا بَيْنَهُمَا بَلْ هُوَ سَهْلٌ عَلَيهِ يَسِيرٌ؛ فَلا يَعْزِبُ عَنْ عِلْمِهِ شَيءٌ، وَلا يَغَيبُ عَنْهُ شَيءٌ.
وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ- وَهُوَ الكَبِيرُ المَتَعَالِي عَنِ النَّقْصِ، العَظِيمُ بِجَلالِهِ وَسُلْطَانِهِ.

81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88